نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

الهجرة عبر البحر المتوسّط: دماءُ الأطفال تَسيل والاتّهاماتُ تتعالى

Previous Next
الهجرة عبر البحر المتوسّط: دماءُ الأطفال تَسيل والاتّهاماتُ تتعالى

كلّ أسبوع، يهلك 11 طفلاً أثناء سعيهم إلى الهجرة عبر طريق وسط البحر المتوسّط، ومن المرجّح أنّ عدد الأطفال القتلى أكبر بكثير ممّا تشير إليه التقديرات.

                                                           (اليونيسف، 14 تموز/ يوليو 2023)

في كلّ عام، يحاول عشرات الآلاف الهروب من الحروب والاضطهاد والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة سوءًا في بلادهم عبر القيام برحلاتٍ محفوفةٍ بالمخاطر برًّا وبحرًا عبر البحر الأبيض المتوسّط.

ومع تسارع الأحداث والاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة ورغبةً بمستقبلٍ أفضل، ارتفعت أعدادُ المهاجرين الوافدين إلى أوروبا، وتحديدًا إلى الاتحاد الأوروبي. ومع أنّ للّجوء الأوكراني إلى أوروبا حصّة كبيرة فاقت سبعة ملايين نسمة وفق تقديرات «المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» UNHCR في 18 تموز/ يوليو 2023، ما زالت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتلّ نسبةً عاليةً من اللجوء إلى القارّة العجوز.

تزامنًا مع تصاعد عمليات الهجرة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنهما، تستمرّ حصيلة الضحايا والمفقودين بالارتفاع. ويدفع تقليصُ خيارات الهجرة الآمنة والقانونية إلى أوروبا المهاجرينَ أكثر باتّجاه شبكات مهرّبي البشر، وهذا ترافقه مخاطرُ كبيرة على المهاجر وعائلته وأطفاله. آخر القصص المأساويّة غرقُ قاربٍ للمهاجرين قبالة شواطئ اليونان في 14 حزيران/ يونيو الماضي. قُتل حوالي 600 شخص وفُقد العشرات إثر غرق القارب في قضيةٍ
ما زالت ملابساتُها قائمة وما زال إلقاءُ الاتّهامات بين مختلف الأطراف المعنيّة بها حاضرًا، مع مطالباتٍ بانتشال الجثث من قعر البحر، حتى تاريخه. وبعد ذلك مقتل 41 شخصًا، بينهم ثلاثة أطفال، في حادثة غرق سفينة تقلّ مهاجرين قبالة ساحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية وسط البحر المتوسّط. وذكرت وكالة «أنسا» الإيطالية أنّ أربعة أشخاصٍ فقط تمكّنوا من النجاة، مشيرةً إلى أنّ القارب انطلق من صفاقس بتونس لينقلب ويغرق بعد ساعاتٍ قليلة.

2023 الأكثرُ دمويّةً
ومع أنّ مأساة غرق القارب قبالة شواطئ اليونان تُعَدّ إحدى أسوأ مآسي الهجرة منذ عام 2015، فهي ليست سوى حلقةٍ ضمن سلسلة متّصلة تتعلّق بقضايا الهجرة وما يُسمّى اللّجوء غير الشرعي أو القانوني وما ينطوي عليهما من نقاشاتٍ مرتبطة بسياسات الهجرة وإصلاح نظام اللّجوء وفرض مزيدٍ من القيود والترحيل، خصوصًا مع فوز عددٍ من الأحزاب اليمينية المتشدّدة في انتخابات دول أوروبية عدة.

ومع صعوبة تحديد العدد الحقيقي للمهاجرين عبر البحر إلى أوروبا، تشير بيانات «منظمة الهجرة الدولية» أنه حتى 7 آب/ أغسطس 2023، وصل إلى أوروبا عبر البحر 121,391 شخصًا. في المقابل، أفادت وزارة الداخلية الإيطاليّة أنّ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا هذا العام بلغ حتى تاريخ 7 آب/ أغسطس 93,700 شخص، في زيادةٍ تفوق الضعف عن الفترة نفسها من العام الماضي.

وقد سجّل العام 2022 أعلى نسبة وفيات منذ عام 2017 في حصيلةٍ بلغت 3789 حالة، أي زيادةً بنسبة 11% عن عام 2021، وفقًا لـ«مشروع المهاجرين المفقودين هو مبادرة رئيسية لمركز تحليل بيانات الهجرة العالمي في إطار معهد البيانات العالمي التابع للمنظمة الدولية للهجرة في برلين. يمكن العثور على أحدث بيانات مشروع المهاجرين المفقودين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر الموقع الآتي:
https://missingmigrants.iom.int» التابع لـ«منظمة الهجرة الدوليّة». وشكّلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من نصف إجمالي نسبة الوفيّات عالميًّا والمسجّلة من قِبل المشروع، بحسب تقريرٍ للأخير. وكان عام 2016 قد سجّل أعلى عدد وفيّات بلغ 5096 شخصًا بعد إغلاق الطريق الأقلّ خطورةً من تركيا إلى اليونان عقب اتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2016 والتي ألزمت تركيا بتبنّي إجرءاتٍ لإغلاق الطرق البريّة والبحريّة مع الاتحاد الأوروبي مقابل حصولها على مساعداتٍ أوّليّة بقيمة 3 مليارات يورو لعام 2018 من أجل مساعدتها في التعامل مع ضغط المهاجرين على أراضيها. وعام 2015 قضى 3770 شخصًا في زيادةٍ بنسبة 15% عن عام 2014 وفقًا لـ«منظمة الهجرة الدولية». أمّا الربع الأول من عام 2023 والذي وصفه «مشروع المهاجرين المفقودين» بالأكثر دمويّةً منذ 2017 فقد وثّق 441 حالة وفاةٍ للمهاجرين على مسار وسط البحر الأبيض المتوسط الذي تعتبره «المنظمة الدولية للهجرة» المعبرَ البحريّ الأخطر في العالم، هذا من دون حسبان ضحايا السفينة اليونانية في حزيران/ يونيو ومن بعدهم.

وبينما ترجّح «منظّمة الهجرة الدوليّة» أنّ يكون العددُ الفعليّ للوفيّات على طرق الهجرة داخل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى بكثير ممّا تمّ الإعلان عنه نظرًا إلى ندرة البيانات الرسمية ومحدوديّة وصول المجتمع المدني والمنظمات الدولية إلى الطرق البرّية، أطلقت مصفوفةُ النّزوح التابعة للمنظّمة في ليبيا نظامًا لتتبّع الحوادث المبلّغ عنها من قبل مصادر المعلومات الرئيسية في المناطق النائية على طول طرق الهجرة الرئيسية وحدود ليبيا في أواخر عام 2021، وذلك في محاولةٍ لمعالجة الفجوات الموجودة في البيانات.

توضح البيانات أنّ معظم الوفيّات حدثت العام الماضي على الطرق البرّية في اليمن، وأنّ من بين 867 حالة وفاة مسجّلة على معبر القرن الإفريقي لليمن، فقَدَ ما لا يقلّ عن 795 شخصًا حياتهم، يُعتقد أن معظمهم من الإثيوبيين، على الطريق بين اليمن والسعودية، خاصةً في محافظة صعدة اليمنية على الحدود الشمالية.

«أزمة إنسانيّة مُفتعَلة»
في أرقامٍ مؤسفة ومؤلمة، كانت منظمة «اليونيسف» أعلنت منتصف شهر تموز/ يوليو 2023 أنّ حوالي 11 طفلاً يلقون حتفهم أو يُفقدون كلّ أسبوع أثناء سعيهم إلى الهجرة عبر طريق وسط البحر المتوسّط من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وأنّ 289 طفلاً على الأقلّ توفّوا أو فُقدوا هذا العام.

وعلى الرغم من  استحالة التحقّق من العدد الحقيقيّ للخسائر في الأرواح بين الأطفال وترجيح «اليونيسف» أن يكون عددهم أعلى بكثير من التقديرات، وذلك بسبب تحطّم الكثير من القوارب والسفن التي لا ينجو منها أحدٌ أو لا يتمّ تسجيلها، تقدّر المنظمة أنّ 1 من كلّ 5 أشخاص قُتلوا أثناء عبورهم البحر المتوسّط منذ عام 2018 هم من الأطفال، أي 1500 طفلٍ من أصل 8,274 شخصًا، وفقًا لسجلات «مشروع المهاجرين المفقودين».

تأتي الخسائر المتزايدة في الأرواح في ظلّ تشديد الاتحاد الأوروبي سياسات الهجرة غير النظاميّة. وقد تحدّثت منظّمات دولية عن تأخيرٍ في استجابات الإنقاذ التي تقودها الدول، ومنها «المنظمة الدولية للهجرة» التي اتّهمت بعض الدول بإعاقة عمليات سفن البحث والإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية وسط البحر المتوسّط، داعيةً الدول إلى الاستجابة، ذلك أنّ «التأخيرات والفجوات في البحث والإنقاذ التي تقودها الدولة تؤدّي إلى خسائر في الأرواح البشريّة»، وفقًا للمنظمة. وفي هذا الإطار، أكدت «اليونيسف» ضرورة تعزيز الجهود لإنقاذ الأرواح في عرض البحر، مشدّدةً على ضرورة القيام بالمزيد لإيجاد مساراتٍ آمنة وقانونيّة لتمكين الأطفال من طلب اللجوء ومعالجة الأسباب التي تدفع الأطفال إلى المخاطرة بأرواحهم في المقام الأول». «منظمةُ الهجرة الدولية»، من جهتها، وفي تقريرٍ صادرٍ عام 2017 تناولت فيه أربعةَ عقودٍ من الهجرة غير الموثّقة إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، أوضحت أنّ إغلاق المسارات الأقصر والأقلّ خطورةً يمكن أن يؤدّي إلى فتح طرق أطول وأكثر خطورةً ممّا يزيد من احتمال الموت في البحر.

وفي السياق، اتّهمت منظمة «أطباء بلا حدود» نهاية شهر حزيران/ يونيو الحالي دولَ الاتحاد الأوروبي بقيادة أزمة الهجرة على الشواطئ الأوروبية، معتبرةً أنّ ما يحصل «أزمة إنسانيّة مفتعَلة، وهي نتيجة فشل الاتحاد الأوروبي في تطبيق السياسات والتدابير المناسبة». وحذّرت المنظمة من «العواقب المشينة لتجاهل دول الاتحاد واجبَها الإنساني»، داعيةً إيّاها إلى «إعادة التفكير الشامل بسياساتها وتوفير سبلٍ شرعية وآمنة لطلب اللّجوء في أوروبا». ومنتصف تموز/ يوليو اتّهمت المنظمة السلطات الإيطالية بعرقلة أنشطة البحث والإنقاذ الإنسانية في البحر المتوسط، مشيرةً إلى تقديم خمس منظّمات غير حكومية رائدة شكوى إلى «المفوّضية الأوروبية للنظر في القانون الإيطالي رقم 2023/15 وممارسات السلطات الإيطالية التي تخصّص موانئ بعيدة من منطقة الإنقاذ لإنزال الناجين من سفن البحث والإنقاذ الإنسانية». وقد أتت تعليقات «أطباء بلا حدود» بعد إعلان دول الاتحاد الأوروبي، مطلع شهر حزيران/ يونيو عن توصّلها إلى اتّفاق جديد بخصوص الهجرة.

وفي الإطار، قدّرت «اليونيسف» أنّ 11,600 طفل وصلوا من شمال إفريقيا إلى إيطاليا منذ مطلع 2023، أي بمعدّل 428 طفلاً أسبوعيًّا، وبزيادةٍ قدرها الضعفين مقارنةً مع الفترة نفسها من العام الماضي. وبينما وصفت المنظّمة طريقَ وسط البحر الأبيض المتوسط بإحدى أخطر الطرق التي يسلكها الأطفال، أوضحت أنّ 71 في المائة من الأطفال الذين يصلون إلى أوروبا عبر هذه الطريق غير مصحوبين بذويهم أو منفصلون عنهم، وقد بلغ عددُهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 3,300 طفل.

مأساةٌ تاريخيّة 

لطالما اعتُبرت الهجرةُ مركزيّةً في تاريخ البحر المتوسّط. بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، سلك أغلبُ المهاجرين الطريق من أوروبا إلى إفريقيا والشرق الأوسط بحثًا عن فرص عمل أفضل أو هربًا من الاضطهاد الديني. كما عبَرَ البحرَ المتوسّط خلال تلك الفترة كثيرٌ من النخب الأوروبية انبهارًا بالثقافة التركية وأزياء العثمانيّين وفنونهم موسيقاهم وعمارتهم. في المقابل، لم تشكلّ أوروبا في تلك الفترة عامل جذبٍ للمهاجرين من القارّات الأخرى. وخلال الحربين العالميّتين تمّ استقدام العديد من المهاجرين الأفارقة والآسيويّين إلى أوروبا كي يخدموا بصفتهم جنودًا وعمّالاً متعاقدين في الجيوش الأوروبية، على أنّ موجات الهجرة من أوروبا جنوبًا استمرّت حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية منتصف القرن العشرين عندما بدأت بالتحوّل، بشكل ملحوظ، بالاتجاه المعاكس.

وقد لعب الاستعمارُ الأوروبي  لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط دورًا كبيرًا في تعظيم موجات الهجرة، إذ أتى أوّل تدفّقٍ للفلّاحين الفقراء من شمال إفريقيا إلى أوروبا عقب موجات إنهاء الاستعمار التي تلَت فترة الحرب العالميّة، وعودة ملايين المستعمرين الأوروبيّين والأشخاص من ذوي الأصول المختلطة إلى أوروبا.

خلال السبعينيات، شجّعت الحكومات الأوروبيّة التي تحتاج إلى عمالة وصولَ العمّال من الشاطئ الجنوبيّ للبحر المتوسّط. وفي تلك الفترة، بدأت أعداد الرحلات البحريّة غير المنتظمة بالارتفاع وذلك ردًّا على إدخال طلبات التأشيرة لمن كانوا معفيّين منها حتى ذلك الوقت. وقد تأثّر التنقّل عبر الحدود والهجرة بالعولمة الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية المتسارعة، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة الأبعاد في الدول المهاجَر منها. ووفقًا لتقرير «المنظّمة الدولية للهجرة» المُشار إليه سابقًا، عبَر البحرَ المتوسّط أكثرُ من 2,5 مليون مهاجر إلى أوروبا بطريقةٍ غير مصرّح بها وذلك منذ السبعينيات حتى تاريخ 2017.

في البداية، تزايدت أعداد الهجرة غير النظاميّة في ظلّ أزمةٍ اقتصاديّة ناجمة عن ارتفاع أسعار النفط أربعة أضعاف خلال الأشهر التي تلت الحرب العربية- الإسرائيلية في أكتوبر 1973. وللمرّة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ضربت البطالةُ الدولَ الصناعيّة. ردًّا على ذلك، أوقفت ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية الاتفاقيّات الثنائيّة التي تنظّم حركة العمّال المهاجرين من شمال إفريقيا وتركيا، ما أدّى أولاً إلى اتّخاذ العمّال المهاجرين الموسميّين الذين يعملون في أوروبا قرارًا بعدم العودة إلى بلادهم واستدعاء زوجاتهم وأطفالهم الذين يمكن قبولهم تطبيقًا للقوانين الأوروبية الخاصّة بلمّ شمل الأسرة، وثانيًا، إلى استمرار هجرة اليد العاملة عبر البحر الأبيض المتوسّط ولكن بشكل غير نظامي، كما بدأت أعمالُ تهريب العمّال بالازدهار.

وبينما وصفت «منظمة الهجرة الدولية» حدودَ أوروبا المتوسّطيّة بالأكثر دمويّةً في العالم، أشارت إلى أنّه بين عام 2000 و30 حزيران/ يونيو 2017 تمّ التبليغ عن مقتل أو فقدان 33,761 شخصًا خلال رحلتهم عبر البحر المتوسّط. ومنذ اندلاع الثورات العربية عام 2010، تصاعدت أعداد الهجرة غير النظاميّة إلى أوروبا عبر البحر المتوسّط ، وأصبحت تونس وليبيا نقاط انطلاق المهاجرين المهرَّبين إلى إيطاليا في وقتٍ سجّل صيفُ 2015 ذروةَ أزمة الهجرة المتوسّطية.

يأتي ذلك بالطبع في ظلّ محدوديّة البيانات المتاحة عن الهجرة غير النظاميّة التي يصفُها التقرير بالظاهرة التي، بطبيعتها، يصعب قياسها. كما يشير إلى أنّ أرقام المهاجرين غير المسجّلين هي حتمًا أقلّ من العدد الإجمالي للمهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسّط بشكل غير نظامي ذلك أنّه لا يتمّ احتساب سوى المهاجرين الذين يتمّ القبض عليهم. أمّا القتلى فلا يتمّ تسجيلهم بشكل مباشر ما لم يتمّ العثور على جثث.

بين أزمات المهاجرين ودوافع الهجرة ومأساة الأطفال قضايا وإشكالياتٌ كثيرة توضَع على طاولة النقاش، منها ما طرحه تقرير «منظمة الهجرة» من نقدٍ للتمييز بين اللاجئين (اللّجوء السياسي) والمهاجرين (الهجرة الاقتصادية) في سياق الهجرة المتوسّطية، معتبرًا أنّ من يخاطر بنفسه في قاربٍ متهالكٍ عبر البحر المتوسّط يملك أسبابًا حتميّةً ناتجةً عن الأوضاع السيّئة في بلده. ثمّ فتْح النقاش حول كيفيّة إنتاج «انعدام الشرعية» عبر الإشارة إلى أنّ الأخيرَ نتاجٌ لكيفية تعريف الشرعيّة وإنفاذ القانون، الأمر الذي ينطبق على الهجرة مثل أيّ ظاهرةٍ أخرى. وأخيرًا وليس آخرًا ما طرحه تقريرٌ لـ«مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدرات والجرائم» في تقريرٍ لعام 2006 حول الأسئلة الملحّة لـتطبيق العدالة العالميّة التي تنشأ عندما تستجيب الحكومات لمستوياتٍ غير مسبوقةٍ من الهجرة العالميّة.

في المحصّلة، لا يمكن دراسة الهجرة بمعزلٍ عن السياق المحيط والظروف التي تدفع إليها وكيفيّة التعامل معها. ليس اتّجاه الهجرة ثابتًا بل متأثّرٌ بالظروف التاريخيّة (كأثر الاستعمار على أنماط الهجرة في البحر المتوسّط)، والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمناخيّة للدول المهاجَر منها وإليها. وبالتالي، في التعامل مع تبِعات الهجرة غير القانونية عبر فرض سياساتٍ معيّنة من دون الغوص في مسبّباتها ومعاقبة مستغلّيها ظلمٌ بحقّ مئات آلاف المواطنين والعائلات والأطفال، وهذه القضية تتعدّى حوض البحر المتوسّط لتشمل جميع موجات الهجرة من البقع الجغرافيّة التي تعاني الفقر والحرمان والنزاعات والحروب إلى أماكنَ قد توفّر لها فرص معيشةٍ أفضل.