نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

سوريا بعد الكارثة: فلْنتعامل مع ذاكرة الزلزال

 

مقابلة مع ناشطة مجتمعيّة في العمل الميداني 

بعد 12 عامًا من الحرب، وقبل وقوع الزلزالين المدمّرين مطلع شباط/ فبراير الحالي، تعاني سوريا من «وضع اقتصادي ومالي سيّء للغاية وهبوط حادّ في العملة الوطنية، ومن سياقٍ سياسي يؤثّر على نفسية المواطنين مع شعورٍ بعدم الاستقرار. بالإضافة إلى هوّة طبقية هائلة في البلاد جعلت الطفل الذي يعيش ضمن عائلة ميسورة غير واعٍ لوجود طفل آخر معدوم، الأمر الذي ولّد حالة عنفٍ لدى الأطفال». بهذه الكلمات تختصر فرح (اسم مستعار)، وهي ناشطةٌ مجتمعيةٌ في العمل الميداني داخل سوريا، تحديدًا في محافظة اللاذقية، حالة بلدها اليوم.

الوضع الصعب الذي تعيشه سوريا رافقه تخفيضٌ في مستوى المساعدات الإنسانية، فبحسب فرح، في مقابلة مع «الشبكة العربية للطفولة المبكرة»، «حتى وقوع الزلزال، كان التمويل قد انخفض إلى النصف في وقتٍ ما زال للمواطنين احتياجات»، موضحةً أنّ «أغلب المموّلين خفّض العام الماضي تمويله مثل برامج منظمة اليونيسف الخاصة بالتعليم»، ومشيرةً إلى أنّ الأخيرة «تطّبق في اللاذقية برنامجًا مع جمعيّتين اثنتين فقط».

استجابة مفاجئة وأوجه تقصير
تشرح فرح مسار الاستجابة للزلزال في سوريا خلال الأيام الثلاثة الأولى: «صحيح أنّ الاستجابة كانت بطيئة، خصوصًا مع كمّ المعايير المزدوجة في التعامل مع كلِّ من تركيا وسوريا وكمّ المساعدات الذي وصل إلى تركيا التي تملك في الأصل أدوات كبيرة للاستجابة للكوارث، لكنها (أي الاستجابة) في الحقيقة كانت مفاجئة ومنحت أملاً للناس»، موضحةً أنّ «فكرة كسر الحصار كانت كبيرة جدًّا»، ومتمنّيةً في الوقت نفسه لو أنّ «الاستجابة كانت أسرع».

محليًّا، «سوريا غير قادرة على الاستجابة بسبب الحرب الطويلة. وقد باءت كلّ محاولات الجهات الحكومية لتنظيم الاستجابة بالفشل لأننا غير مجهّزين ولم نستفِد من الدروس السابقة»، تقول فرح. وفي السياق، تفنّد أوجه التقصير، إذ كانت هناك بعد الزلزال حاجةٌ إلى عددٍ أكبر من فرق الإنقاذ، مبديةً خيبة أملها من استجابة لبنان «الذي يعنينا كسوريين، لأن استجابته توجّهت إلى تركيا قبل سوريا».

وعلى الرغم من الاستجابات الجيدة جدًّا لبعض الدول وأبرزها العراق والإمارات، تتساءل الناشطة «إلى متى ستستمرّ هذه الاستجابة؟ وإلى متى سيستمرّ تزويد العائلات بالطعام والشراب، خصوصًا أننا مقبلون على فصل الصيف وهناك انتشار للأمراض والقمل والجرب»؟ مشيرةً إلى أنه «هناك مثلاً 350 عائلة مع بعضها البعض داخل مركز إيواء كبير في اللاذقية ضمن ظروق سيئة، وأن تلك العائلات تطالب بخيم شرعية، بالحدّ الأدنى، كي تتمكّن من ممارسة حياتها بخصوصية». 

ولا تقلّ الاستجابة النفسية أهميةً عن الاستجابة المادية في الكوارث، تحديدًا للأطفال الصغار وأسرهم ومقدّمي الرعاية، خصوصًا أنّ «جزءًا من الأسر الذي نزَح بفعل الزلزال، كان قد نزَح قبل ذلك من المناطق المتضررة بسبب الحرب إلى مناطق سكن عشوائي. وبسبب الزلزال تدمّرت تلك البيوت العشوائية فانتقلت العائلات إلى مراكز الإيواء أو إلى منازل عائلات مضيفة». وفي الأصل، «جزء كبير من أطفال العائلات التي كانت تسكن المناطق المتضرّرة بفعل الزلزال يعاني من التسرّب المدرسي والجوع وعمالة الأطفال إلخ».

توضح الناشطة أهمية الاستجابة النفسية لناحية «شرح الكارثة للطفل، وجعله يتصالح مع ذاكرتها»، مشيرةً إلى «أننا اليوم في مراحل متقدّمة من التعامل مع ذاكرة الحرب بالنسبة للأسر الوافدة والأطفال، لكنّ ذاكرة كارثة الزلزال ما زالت جديدة. صحيحٌ أنّ تلك الأسر والأطفال استرجعت بعضًا من ذاكرة الحرب الخاصّة بالتهجير والوفود، لكنها أيضًا خلقت ذاكرةً جديدة».

أما أبرز عائقٍ في وجه تحقيق استجابة نفسية فعّالة والإجابة عن «أسئلة الأطفال الكبيرة التي لا تتمّ الإجابة عنها» فيكمن، بحسب فرح، في هجرة «حوالي 80% من كوادر الجمعيات، ففي اللاذقية مثلاً سافر خلال العامين الماضيين الكثير من الشباب العاملين في الجمعيات والذين راكموا خبرات على مدى سنوات في تقديم الخدمة الاجتماعية»، ما أدّى إلى وجود عاملين على الأرض في مجال الخدمة الاجتماعية «بأعمار صغيرة ولا يملكون خبرات كافية».

الأمان والانتماء 

ما الاحتياجات المتوقعة على المدى الطويل والتي من شأنها التأثير على الأطفال وقدرتهم على الصمود؟ تضع فرح اثنين من الاحتياجات على رأس القائمة: الأمان والانتماء. 

على مستوى الأمان، «من المهمّ التركيز على احتياج الأمان والمأوى لدى الأطفال والبناء عليه، فالطفل متعلّق بشكل أساسي ببيته ومدرسته. وخلال فترة ما بعد الزلزال، هناك حاجة إلى الأمان لأنّ الأطفال يدرسون في أبنية متصدّعة ما يشكّل مصدر خوف لهم، كما أنهم عاشوا لحظات الكارثة في بيوتهم».

ومن المهم كذلك العمل على «مسألة الانتماء بعد 12 عامًا من الحرب»، تؤكد فرح، موضحةً أن ذلك يتأمّن للطفل من خلال العمل مع الأسرة إذ «لا يمكن التعلّم عن الانتماء من خلال الشخص الذي جعلني أفقد هذا الانتماء»، لذا تُعلي من دور المنظمات غير الحكومية على المنظمات الحكومية بسبب «عدم قدرة الدولة اليوم على تقديم الدعم المادي والمعنوي فهي ليست مهيّأة بمناهج مدرسية داعمة، لذا أعتقد أنّ التدخلات الخارجية من جمعيات وممولين قادرة، على الأقلّ، أن تمنح الأطفال إجابات».

وعن الوسائل الأنجع للتعامل مع تبعات كارثة الزلزال في سوريا، ترى فرح أنّ «الدعم عبارة عن دائرة، فلا يمكن القيام بتبرّعات أو حملات مناصرة من دون حملات إعلانية». وبينما تشير إلى أهمية برامج التدخل تؤكّد أنّ «الدعم النفسي هو الأهمّ»، موضحةً في الوقت نفسه أنه «حتى اليوم، لم يحصل برنامج تدخّل واضح للدعم النفسي على الرغم من حصول تدخّلات من قِبل الخبرات الموجودة، كما حصل مع الهلال الأحمر السوري». 

وفي الإطار، تشير إلى أنّ «اللاذقية تفتقر إلى مساحاتٍ صديقة للطفل، باستثناء مساحتين أو ثلاث، والسبب يرجع إلى أنّ المموّلين لا يرون حاجةً إلى دمج الأطفال لأنّ المحافظة لم تتأثّر كثيرًا بالحرب، علمًا أنها شهدت وفودًا كبيرًا إليها وأصبح هناك شرخٌ بين الأطفال المقيمين والوافدين، كما تمّ إغلاق بعض المساحات السابقة. وقد أتى الزلزال في ظلّ الافتقار إلى مساحات يمكن توجيهها فورًا للاستجابة»، مؤكدةً ضرورة وجود برامج تدخّل للدعم النفسي في كلٍّ من حلب واللاذقية.

بشكل عامّ، ولتفادي آثار الكوارث قدر الإمكان، تؤكد الناشطة أهمية «معرفة استخدام أقلّ الموارد المتوفّرة، وتجهيز كل محافظة بفريقَين أو ثلاثة، بحسب حجم المحافظة، تكون جاهزة للاستجابة للطوارئ، على أن تكون فرقًا من جهاتٍ عدّة ومتنوّعة المهامّ: طبية وهندسية ومجتمعية وفرق دعم نفسي وموارد ماديّة إلخ»، مع إدراكها التامّ أنّ عدم امتلاك موارد ومعدات، وفي ظلّ وجود عقوبات، كلها عقبات تحول دون تحقيق المطلوب.