نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

كلمة د. غسان عيسى في مؤتمر «واقع حقوق الطفل في أوقات الحرب والأزمات»

حقوق أطفال فلسطين والعالم: ضرورة عالمية من أجل العدالة أينما كان

 
(تصوير: بهاء الدين نصّار)

ألقيت هذه الكلمة ضمن فعاليّات مؤتمر «واقع حقوق الطفل في أوقات الحرب والأزمات» والذي عُقد في «جامعة النجاح» بنابلس، الضفّة الغربيّة المحتلّة في 29- 30 نيسان/ أبريل 2025

كنّا نتمنّى لو أننا نجتمعُ اليوم لا لنناقش واقعَ حقوق الطفل في ظلّ الحروب والأزمات، بل لنناقشَ بزوغ فجر التعافي بعد الحرب، ونرسم ملامح مستقبل يستعيد فيه الأطفال طفولتهم المسلوبة.

لكنّنا، عوضًا عن ذلك، نقف مجددًا في ظلّ الدمار، مجبَرين على مواجهة الواقع الوحشي لحقوق الأطفال المهدورة تحت وطأة الحرب والأزمات المتعدّدة.

في كلّ مرّة تُفتح فيها نافذةُ أمل، تُغلقها أيادي القمع والعنف بقسوة.

وبينما تنوّعت جغرافيًّا بؤرُ الصراعات المتصاعدة في العالم بشكل غير مسبوق، سيذكر التاريخ عام 2024 على أنه الأكثر ظلامًا وقسوةً على الأطفال في معاناةٍ غير مسبوقة، وبأنّ الظلم والوحشية كانا الأكثر شراسةً في العالم العربي على المستويات كافّة:

  • في غزّة/ فلسطين، حيث اجتاحت موجة ثانية من الإبادة الجماعية فظائعَ الأولى.
  • في الضفّة الغربية من فلسطين، حيث تُمزّق حربٌ صامتةٌ العائلات، ويحدث أكبر تهجير منذ عام 1967 أمام أنظار عالم صامت ولا مبال.
  • في السودان، حيث تظلّ الكارثة الأخطر في تاريخ الإنسانية مدفونة تحت الصمت، غير مرئية، وغير مذكورة، وغير معترف بها.
  • في لبنان واليمن وسوريا، حيث يواصل العدوان هجماته من دون رادع، محوّلًا البيوت إلى ساحات حرب، ومستقبلَ الأطفال وعائلاتهم إلى رماد.

قد تتغيّر الوجوه وتختلف المدن، لكنّ الانتهاكات الحقوقيّة الجسيمة والقياسيّة بحقّ الأطفال والعائلات تظلّ نفسها:

القتل والإصابة والتجويع والتهجير، وحرمان أطفال من التعليم والرعاية الصحية والحماية والكرامة.

ومع ذلك، إنْ وُجد مكان يجسّد هذا الرعب بأبهى صوره، فهو فلسطين. لقد تحمّل الأطفال الفلسطينيون ظلمًا لا مثيل له، وتعرّضوا إلى انتهاكات لا نظير لها في التاريخ الحديث.

أردْنا لمؤتمرنا هذا أن ينطلق من بوابة فلسطين، لأنه هنا تُنتهك الحقوق كلّها دفعة واحدة. وأمام هذه الحقيقة القاسية، يجب علينا تجاوز الاعتراف فقط والتوجّه نحو الفعل.

تحدّينا واضح:
علينا أن لا نكتفي بالحديث عن حقوق الطفل؛ بل يجب وضعها في سياقها التاريخي والجغرافي لإحياء الاتفاقيات والمعاهدات التي تحميهم هنا، وتدعيمها بآليات جديدة، والمطالبة بتطبيقها ومحاسبة من ينتهكها.

في غزّة والضفّة الغربيّة والسودان واليمن ولبنان، يُمَزَّق القانون الإنساني الدولي

International Human Rights law  و«اتّفاقية جنيف الرابعة» لحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، يوميًّا، من دون محاسبة أو تبعات.

قانون كان يجب أن يكون درعًا للأبرياء، تحوّل إلى غبار:

  • المدنيّون، بمن فيهم الأطفال، من المفترض أن يكونوا تحت حماية خاصّة كما نصّت «اتّفاقية جنيف الرابعة» والبروتوكولات الدوليّة.
  • التجويع المتعمّد للشعوب هو جريمة حرب مطلقة.
  • استهداف البنى التحتيّة الحيويّة ومصادر المياه والطاقة وتدميرها، انتهاكان يجب أن يُحظَرا.
  • الهجمات على المدارس والمستشفيات والمساعدات الإنسانيّة يجب أن لا يتمّ التسامح معها أبدًا.
  • استخدام الأسلحة الوحشية والعشوائية، والغازات السامّة، والقنابل الحارقة، والألغام الأرضية، يجب أن يُحرَّم.

لكن ماذا تبقّى من هذه القوانين؟ من هذه الحمايات؟ لا شيء. لقد دُهست تحت آلات الحرب التي لا تعرف حدودًا، وسُحقت تحت وطأة الإبادة الممنهجة.

اليوم، نجتمع ليس فقط للحزن، بل للمناداة والمطالبة بمحاسبة عالميّة:

لإحياء «اتفاقية حقوق الطفل» في أوقات الأزمات والمحاسبة على انتهاكها كضرورة ملزمة لتحقيق العدالة العالمية.

هذه ليست شكليات، وليست نقاشًا نظريًّا؛ بل هي الأساس الذي يجب أن نُعيد من خلاله بناء العدالة.

مهمّتنا واضحة:

  • وقف الإبادة فورًا
  • فضح فظائع «نزْع الطفولة» حتّى لا يمكن تجاهلها.
  • تحليل الدمار النفسي والاجتماعي والنمائي الذي تخلّفه الإبادة.
  • تفكيك الأنظمة التي تسمح للجناة بـ «شرعنة» انتهاكاتهم، كما رأينا مع التهرّب المتعمّد من القانون الدولي.
  • تحدّي ازدواجيّة المعايير، ومواجهة التناقض في إدانة بعض الجرائم وتبرير أخرى.
  • الدفع نحو أطر جديدة لمحاسبة مجرمي الحرب، عوضًا عن السماح لهم بإعادة كتابة القانون لصالحهم.

الانتهاكات ليست نظريّة؛ بل تحدث الآن، في الزمن الحقيقي، كلّ يوم:

  • حملات الأرض المحروقة والحصار بالتجويع هي انتهاكات لـ«اتّفاقية حقوق الطفل».
  • قتل الأطفال جريمة حرب.
  • عرقلة المساعدات الإنسانية جريمة حرب.
  • التدمير الممنهج للمنازل والمدارس والمستشفيات جريمة حرب.
  • العدالة الانتقائية جريمة حرب.
  • استخدام تقنية الذكاء الصناعي من دون تمييز جريمة حرب.

ومن أهداف مؤتمرنا هذا كذلك:

  • أوّلًا: تسليطُ الضوء على انتهاكات حقوق الطفل ومناقشتِها. صحيح أنّ هذه الانتهاكات مُتَّفق عليها عالميًّا وهي نتاج سنوات طويلة من العمل، غير أنّ استباحتها أصبحت تَبرز أمامنا بشكل دائم، ومنها ما هو مرتبط بالتطوّر التقني، على سبيل المثال:

هل ينتهك لجوءُ الجيوش إلى الذكاء الاصطناعي لاختيار الأهداف العسكريّة حقوقَ الطفل، خصوصًا مع هوامش الخطأ الكبيرة التي تعتريه؟ وهذا ما شهدناه في الكثير من الحالات في الحرب على غزّة.

  • ثانيًا، تحليل التأثيرات متعدّدة الأبعاد للحروب والأزمات على تنمية الطفولة المبكّرة.
  • ثالثًا، نهج بناء السلام نفسه والمصالحة المتمحورة حول الطفل، والتي تضع حقوقَه في رأس لائحة الأولويّات، أصبحا وكأنهما خارج السياق البشري مع ما يحدث الآن.
  • رابعًا، صياغة خارطة طريق لتعزيز المناصرة والشراكات وحشد الدعم من الجهات العالميّة. وهذه نقطة مهمّة جدًّا لنقل الخطط من جزئها النظري إلى العملي.
  • خامسًا، تسليط الضوء على الحاجّة الماسّة إلى حماية حقوق الأطفال في مناطق الحروب ومراجعة الآليّات الحاليّة لتنفيذ ومراقبة احترام هذه الحقوق من قِبل الدول الأطراف من خلال التدخّلات العمليّة والمحاسبة.

في مقاربتنا للنقاط أعلاه، ننطلقُ من كون حماية حقوق الأطفال في أوقات الحرب والأزمات حجرَ الأساس في القانون الدولي وضرورة عالميّة لتحقيق العدالة والمساواة.

وعليه، نسعى من خلال هذا اللّقاء إلى توحيد الأصواتِ العالميّة للدفاع عن حقوق الأطفال وتحقيق العدالة، وخلق أطرٍ مناسبة للعمل.

لا أبالغ في القول إنّنا نمرّ في أكثر المراحل تحدّيًا، منذ عقود، بصفتنا معنيّين ومعنيّات على نحو مباشر بقضايا تنمية ورعاية وحماية وتربية الطفولة المبكّرة.

صحيح أنّ الإنجازات كثيرة، غير أنّ العوائق الموجودة ضمن حقل عملنا في تزايد مضطرد، منها:

  • إنّ النظام الدولي الحقوقي برمّته الذي يحمي حقوق الأفراد والأطفال بات مزعزَعًا،
  • ارتفاع مستوى التضييق بحقّ مؤسسات دوليّة معنيّة بالطفولة بشكل غير مسبوق، على رأسها وكالة «الأونروا» في فلسطين المحتلّة،
  • وجود فجوة دائمة في التمويل المخصّص لدعم الأطفال الصغار والعائلات مع تناقص التمويل وخاصةً في الحروب.

ومع ذلك، تمكّنت مؤسّسات ومنظّمات محلّيّة من سدّ، ولو القليل من هذه الفجوات، خصوصًا في فلسطين. وهذا ما نراه في لبنان أيضًا.

على مدى اليومين المقبلين، يجتمع هنا متخصّصون ومتخصّصات في قضايا الطفولة المبكّرة وجامعيّون وجامعيّات وممثّلون وممثّلات عن وزارات وعن المجتمع المدني وحقوقيون وحقوقيّات وغيرهم لمحاولة البناء على سلسلة من البرامج والمبادرات والمؤتمرات التي تعالج الأزمة العالميّة المتزايدة لاسترجاع حقوق أطفالنا.

ندرك كمّ التحدّيات، ولكن مع توحيد الجهود تتذلّل العقبات.

ولنفهم مرّة واحدة وللأبد بأنّ كلّ هذا لا يمكن أن يتحقّق بشكلٍ منفرد لكلّ فرد، أو جمعية، أو مؤسسة، أو منظّمة، ولا يمكن أن يكتمل من دون دعم الشركاء العالميّين الذين يشاركوننا هذا الموقف. ومثلما ولّى زمن التدخّلات القطاعيّة المنفصلة، ولّى زمن العمل الفردي والمنافسة على التمويل والشهرة.

لكن على الرغم من كلّ هذه الفظائع، لم تنطفئ شعلة الأمل، فهي تتّقد في صمود الآلاف ممّن نجوا، متجاوزين الصدمة والحزن، على الرغم من أنّهم يعيشون لا في «اضطراب ما بعد الصدمة»، بل في «ما بعد الإبادة الجماعيّة».

لذلك، نسعى من خلال هذا اللّقاء إلى توحيد الأصوات العالميّة للدفاع عن حقوق الأطفال وتحقيق العدالة، وخلق أطر مناسبة للعمل.

أملُنا أن نبني على كلّ ما سبق وأكثر، وأن نفهم التحدّيات الحاليّة وحجمَها، ونتعرّف عن كثب على مبادرات صمود قطاع الطفولة المبكّرة في فلسطين، ومشاركتُنا تجاربه.

والأهمّ، الحشد والتنسيق لمتابعة الحاجات العاجلة والطويلة الأمد للأطفال الفلسطينيّين والمسلوبة حقوقهم.

أملنا المستمرّ،

هو كيف نعلّم العالم من الآن فصاعدًا «روح روح» المثابرة والصمود في وجه الإبادة من أجل أطفالنا.

أملنا المستمرّ

هو في فلسطين، وفي سوريا ولبنان واليمن والسودان، وكلّ بقاع الأرض التي يعاني فيها الأطفال وعائلاتهم الظلم واللّاعدالة وعدم الإنصاف.

فلا سلام لأطفالنا من دون عدالة ومساواة ولا مستقبل لهم من دون حماية.

ليحصل أطفال فلسطين والسودان واليمن ولبنان على كامل حقوقهم الآن.

فالأرض المحروقة وحصار التجويع انتهاكٌ لـ«اتّفاقية حقوق الطفل».

الأمل يكمن في تطوير برامج جديدة وشاملة تعترف بما مرّ به هؤلاء الأطفال من ظروف لا سابق لها.

الأمل يكمن في الالتزام الثابت للمؤسسات والجامعات والمنظّمات التي ترفض أن تدير ظهرها والتي، على الرغم من القيود والعقبات، جمعتنا في هذا المؤتمر اليوم.

لذا، نعاهد أنفسنا:

  • لا أولوية تعلو على الحقوق الكاملة لأطفالنا.
  • لا انتهاك يُبرَّر، يُتجاهَل، أو يُقبَل.
  • لا مستقبل يُسرَق من دون مواجهة.

لقد جئنا إلى هنا من أجل العدالة، والحماية، والحقوق الكاملة لأطفالنا الآن،

وليس لاحقًا.

لأنه، مجدّدًا، لا سلام من دون عدالة ولا مستقبل من دون سلام

ما استطعنا إلى ذلك سبيلا….

يمكنكم/نّ الاطلاع على تفاصيل المؤتمر هنا.
الورقة المفاهيمية.

غسان عيسى

المنسّق العام لـ«الشبكة العربية للطفولة المبكرة»