نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

مأساة مخيّم جنين مستمرّة: إسرائيل تبرّر قتلَ الأطفال وظروفٌ قاهرة للعائلات

 

بُعيد انتهاء العدوان الإسرائيلي العسكري على جنين ومخيّمها في الضفة الغربية بتاريخ 5 تموز/ يوليو 2023، برّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قتلَ أربعة أطفال فلسطينيين تحت سنّ الـ18 بالقول إنّ «جميع القتلى مقاتلون»، متابعًا «الحقيقة، هناك إرهابيون شبّان قرّروا حمل السلاح، هذه مسؤوليّتهم».

وعلى خلفيّة التبرير، وقعت خلال المقابلة مشادّةٌ كلاميّة بين مذيعة «بي بي سي» أنجانا جادجيل وبينيت الذي شارك مقطعًا من الحوار عبر حسابه على «تويتر» وكتب مستنكرًا «مذيعة بي بي سي تتجرّأ على الادّعاء معي بأنّ جنود الجيش الإسرائيلي سعداء بقتل الأطفال».

وبعد هجومٍ شنّه مؤيّدو إسرائيل ومجموعات يهودية متشدّدة في بريطانيا على القناة والمذيعة، قدّمت هيئة الإذاعة البريطانية اعتذارًا رسميًّا كما اضطرّت المذيعة إلى فعل الشيء نفسه.

«نكبة جديدة» والمقبرة ممتلئة
بعد مرور أكثر من أسبوع على انتهاء الهجوم الإسرائيلي على مخيّم جنين ووقوع 12 شهيدًا، من بينهم أربعة أطفال، وأكثر من 140 جريحًا، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بدأ يتّضح أكثر حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمخيّم وأهله وأطفاله، وتاليًا الاحتياجات ومدى حجم التدخلات المطلوبة. 460 وحدة سكنيّة متضرّرة داخل وحول المخيّم، من بينها 23 مدمّرة بالكامل و47 غير صالحة للسكن، وفقًا لتقديرات «الأونروا» ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHAمدارس متضرّرة وشبه فارغة، منها أربع مدارس تابعة للـ«أونروا»، وبالتالي أطفالٌ محرومون من حقّ التعلّم، طرق وبنى تحتية وشبكة مياه وصرف صحّي مدمّرة، نقص الغذاء والرعاية الصحية الأساسية والموارد الطبية- خصوصًا بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمركز الصحّي التابع للـ«أونروا»، الوحيد في المخيّم، نتيجةَ القصف الإسرائيلي واضطرار المنظمة إلى إنشاء نقطة صحية مؤقتة- وكذلك مقبرةٌ امتلأت بجثث الفلسطينيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ما اضطرّ أهالي المخيّم خلال العدوان الأخير إلى حفر أراضٍ جديدة لدفن ضحاياهم.

وفي ما وصفه مراقبون بـ«نكبةٍ جديدة» وفي مخالَفةٍ للقوانين الدولية، أجبر الاحتلالُ الإسرائيلي حوالي 3500 فلسطيني، بحسب تقديرات “الأونروا”، أي حوالي 500 عائلة، على ترك بيوتهم وإجلاء المخيّم، ما خلّف آثارًا مهولةً جسديةً ونفسيّةً على العائلات والأطفال الصغار تحديدًا. وقد أفادت مصادرُ صحافيّة أنّ قوات الاحتلال راقبت عمليات الإجلاء بواسطة طائرات الاستطلاع والآليات العسكرية، كما احتلّت العديد من المباني بعد إعلان الإسرائيليين تمديد العملية. وعلى الرغم من عودة أغلب العائلات إلى منازلها التي لم تتدمّر منها بعد انتهاء العدوان العسكري، ذكرت «الأونروا» والـOCHA أنّ 40 عائلةً على الأقلّ، أي حوالي 173 شخصًا من بينهم 64 طفلاً، ما زالوا نازحين داخليًّا لأنّ منازلهم غير صالحة للسكن. وفي موقفٍ غير مستغرَب، عقّب بينيت، خلال المقابلة مع «بي بي سي»، على مصير العائلات المهجَّرة بالقول «سيجدون ملاذًا مؤقّتًا في جنين».

وبينما تحدّثت الأمم المتحدة عن وضع كارثي في المخيّم، أشار ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أنّ الأضرار غير قابلة للإصلاح، مشيرًا إلى أنّ المخيم ما زال حتى تاريخ 11 تموز/ يوليو من دون مياه تقريبًا ما يستلزم حلولاً مثل نقل المياه بالشاحنات. وفي السياق، ذكرت «الأونروا» والـOCHA أنّ المخيّم والأحياء المجاورة يفتقرون منذ 3 تموز/ يوليو إلى المياه النظيفة وأنّ حوالي 100 وحدة سكنية تفتقر إلى إمدادات الصرف الصحي، وأنّ الاعتداء الإسرائيلي دمّر ثمانية كيلومترات على الأقلّ من أنابيب المياه الرئيسية وغيرها من البنى التحتية الأساسية، هذا بالإضافة إلى حرمان المخيّم من الحصول على الكهرباء بعد تعرّض الشبكة إلى دمارٍ مَهول.


من يحمي الأطفال الصغار؟
وعلى الرغم من أنّ العدوان الأخير شكّل أكبر اعتداءٍ على جنين منذ سنوات، في ما وصفته «الأونروا» بـ«الأشدّ عنفًا منذ أكثر من عقدين»، يأتي العدوان ضمن سلسلة اعتداءاتٍ طويلة على جنين ومخيّمها.
يبلغ عدد أطفال المخيّم حوالي 7150 طفلاً من أصل حوالي 23 ألف فلسطيني. وقد شكّل هؤلاء الأطفال أكبرَ ضحايا ممارسات الاحتلال إثر تعرّضهم المتكرّر، وعلى مدى سنواتٍ طويلة، لغياب الخدمات والتهجير والظروف المعيشية القاهرة والعنف والصدمات النفسية.

وعلى ضوء الاعتداء الوحشيّ الأخير، رفعت المنظمات المحلّيّة والإقليمية والدولية الصوت عاليًا متحدّثةً عن الاستجابة الإنسانية والاحتياجات المستمرّة. أوضحت «الأونروا» أنّ أولوياتها في الوقت الحالي تتمثّل في حماية الأطفال واستعادة الخدمات الأساسية في المخيم ودعم العائلات التي تضرّرت منازلها بالمساعدات النقدية الطارئة.
في 8 تموز/ يوليو تمكّنت «الأونروا» من إعادة فتح مدارسها الأربع التي توفّر التعليم لـ1,700 طفل، غير أنّ الكثير من الأطفال لم يعاودوا الالتحاق بالمدارس خوفًا من ترك بيوتهم، كما أنّ تلك المدارس تحتاج إلى إصلاحاتٍ طفيفة بسبب الأضرار التي لحقت بها جرّاء القصف الإسرائيلي. وأوضحت «الأونروا» أنّه تمّ تقليص وقت التدريس لإفساح المجال للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي MHPSS، مشيرةً إلى أنّ أطفال المخيّم عانوا من صدمة شديدة نتيجة العملية العسكرية الأخيرة. وفي الإطار، أكّدت الـOCHA أنّ الأطفال ظهرت عليهم علامات الضيق النفْسي الشديد، خصوصًا الذين شهدوا العملية العسكرية بشكلٍ مباشر.

وحول أولويات الحماية أيضًا، يوفّر شركاء حماية الطفل CP والعاملون في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي الدعمَ للأطفال ومقدّمي الرعاية، بما فيها الإسعافات الأولية النفسية والاجتماعية PFA، ومسارات الإحالة والاستشارات النفسية والزيارات المنزلية. وقد أوضحت الـOCHA أنّ مقدّمي الخدمات النفسية والدعم النفسي الاجتماعي وحماية الطفل بحاجة إلى 300 ألف دولار أميركي للاستجابة للاحتياجات الناشئة

في القطاع الصحّي، تتمثّل أبرز الاحتياجات اليوم بدعم توفير الرعاية الصحيّة للمصابين الذين ما زالوا يدخلون المستشفيات، ومنهم أطفال، وكذلك إعادة تأهيل مركز «الأونروا» الصحّي بعد تعرّضه لدمارٍ شديد، والذي يستفيد الأطفالُ من خدماته الصحيّة. وقد أوضحت الـOCHA أنّ مجموعة الصحّة تتطلّب 1.5 مليون دولار أميركي للقيام بأعمال تقديم الرعاية الصحية وتجديد وتخزين الإمدادات وبناء قدرات العاملين الصحيّين والمتطوّعين وتأهيل المصابين وتوفير الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي وغيرها من المتطلّبات القصيرة والمتوسّطة الأجل.

بالطبع، هناك حاجة ملحّة كذلك لإعادة شبكة توزيع المياه وإمدادات الصرف الصحّي إلى العمل، وتوفير الدعم للعائلات التي تقطن في منازلَ غير صالحةٍ للسكن، بالإضافة إلى توزيع المواد الغذائية على العائلات والوحدات السكنية، والمواد غير الغذائية لحوالي 100 أسرة فقدت مقتنياتها. كما أنّ هناك حاجة إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بالطرق كي يتمكّن التلاميذ من الوصول إلى مدارسهم بسهولةٍ وأمان، وتوزيع القرطاسية والمستلزمات المدرسية لحوالي 300 تلميذ.

«الشبكة الفلسطينية للطفولة المبكّرة»: الآثار على الأطفال مدمِّرة
«الشبكة الفلسطينية للطفولة المبكّرة»، من جهتها، تحدّثت في تقرير عن تأثير العدوان الأخير على الطفولة المبكّرة وعن ضرورة التدخّل للحماية والرفاه النفسي والاجتماعي، موضحةً أنّ الصدمة النفسية والتوتر العاطفي تسبّبت بآثار صحيّة قوية عاشها أطفال المخيّم ومازالوا يعانون منها. كما تمّ حرمان هؤلاء الأطفال من الاستفادة والوصول إلى المراكز التعليمية بسبب تعرّضها للدمار وتشرّد العائلات خارج أماكن سكنهم

وأكّدت الشبكة ضرورة العمل المتكامل والسريع وتوحيد كافة الجهود لجميع القطاعات والمؤسسات العاملة على أرض فلسطين بهدف توفير:

  • الحماية والأمان، وإعطاء الأولوية لحماية الأطفال وسلامتهم، وتفعيل آليّات محدّدة لحماية الطفل وتعزيز الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ووثيقة حقوق الطفل.
  • ضمان الوصول الآمن إلى التعليم ومرافقه.
  • توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والصحّة النفسية المناسبة.
  • تعزيز أنظمة وفعاليات دعم الأسرة والمجتمع.
  • تعزيز الرفاه النفسي والاجتماعي.