نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

«من الأدلّة العلميّة إلى البرامج والاستراتيجيات في المنطقة العربيّة: البحث والعمل الإقليمي من أجل الأطفال الصغار في أوقات الأزمات»، تقرير مخرجات المنتدى

 
(من فعاليات المنتدى الإقليمي الأول حول بحوث الطفولة المبكّرة في أوقات الأزمات، المنعقد في عمّان، الأردن)

23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025


مقدمة

في آب/أغسطس 2025، نظّمت «الشبكة العربية للطفولة المبكّرة» وMoving Minds Alliance (MMA)، بالتعاون مع «المجلس الوطني لشؤون الأسرة» في الأردن منتدى إقليمي بعنوان «من الأدلّة العلميّة إلى البرامج والسياسات في المنطقة العربية: الأبحاث والحقوق والعمل الإقليمي من أجل الأطفال الصغار في الأزمات».

تمثّلت أهداف المنتدى في تدعيم المعرفة والممارسات المتعلّقة بتنمية الطفولة المبكّرة في ظلّ الأزمات في البلدان العربية من خلال تشارُك نتائج البحوث (مع التركيز بشكل خاص على «نموذج البحث الاستراتيجي»)، وتعزيز التعاون والحوار بين الباحثين/ات وصانعي السياسات والممثّلين/ات الإقليميين/ات، والمناداة ببرامج وسياسات واستراتيجيات قائمة على أدلّة، وإيصال النتائج إلى مناطق أخرى متضرّرة من أزمات متعدّدة.

يسلّط هذا التقرير لنتائج المنتدى الضوءَ على «نموذج البحث الاستراتيجي» بصفته إطارًا مبتكرًا لإجراء بحوث ذات تركيز إقليمي، وعلى نتائج المناقشات المتعلّقة بترجمة البحوث إلى سياسات، وعلى السبل المحتملة لتحقيق ذلك في البلدان العربية.

القسم الأوّل:
الخلفية والأهمية

«الشبكة العربية للطفولة المبكّرة» منظمة عربية غير حكومية متعدّدة التخصصات والقطاعات، وتُركّز على رعاية وتنمية وتربية الطفولة المبكّرة، لاسيّما في ظلّ الأزمات المتعدّدة. أما Moving Minds Alliance فهو تحالف متعدّد الأطراف، يُناصر المساواة وتحقيق نتائج أفضل للأطفال الصغار المتأثّرين بالأزمات في كلّ مكان، ويستفيد من نقاط قوة مختلف الجهات الفاعلة المحلية والعالمية من أجل المناداة بإعطاء الأولوية لتنمية الطفولة المبكّرة في كلّ استجابة للأزمات. وسويًّا، نعمل على ابتكار سُبل يمكن أن تتقدّم فيها تنمية الطفولة المبكّرة لتعزيز التغيير في الاستجابة للأزمات والمعرفة والمناصرة والتغيير.

وفي ظلّ الأزمات طويلة الأمد وتأثيراتها على الأطفال الصغار ومقدّمي/ات الرعاية لهم، يُمثّل تحدّيًا إيجادُ التوازن بين الفهم العميق للمسائل البارزة، والاستجابةُ للاحتياجات الإنسانية العاجلة، وحمايةُ مستقبل المجتمعات المتضرّرة عبر التغيير الهادف. ويرجع ذلك إلى صعوبة تحديد مسارات الأبحاث واستخدامها في جهود المناصرة وتغيير السياسات بشكل فعّال، لاسيّما في السياقات سريعة التطور أو المتقلّبة. وعلى وجه الخصوص، تكافح تنمية الطفولة المبكّرة في بحوث الأزمات للوصول إلى الجمهور على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي، بسبب تنافس الأولويات وتقلّص مصادر التمويل وضعف إبرازها. وقد بُذلت جهود كبيرة لتحقيق هذه الغاية في المنطقة العربية، لكنّ العمل مستمرّ دائمًا. وقد تَعَزّز هذا العمل عبر جمع الجهات الفاعلة في مجال البحث والسياسات لتبادل الأفكار والتفكير التعاوني في حلول لمسائل رئيسية ضمن استمراريّة الربط بين البحث والسياسات.

استقبل المنتدى الذي استمرّ يوميْن مندوبين/ات وممثلين/ات عن حكومات وأوساط أكاديمية وشبكات إقليمية، فضلًا عن خبراء/ات دوليين/ات ومنظمات غير حكومية محلية ودولية، مغطّيًا بذلك مناطق جغرافية واسعة: مصر ولبنان والأردن وفلسطين والمغرب وتونس وعُمان والسعودية وبنغلادش والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وهولندا وجنوب إفريقيا. وقد أتاح ذلك بيئةً غنيّةً للتعلّم والنقاش التعاوني تُوِّجت بورشة عمل حول السياسات ركّزت على توليد رؤى حول أكثر الطرق فعاليّة لدمج البحوث ذات التوجه الإقليمي وترسيخها في أطر السياسات.


القسم الثاني:

«نموذج البحث الاستراتيجي» في الطفولة المبكّرة: إطار مبتكر لتطوير المعرفة والسياسات 

ارتكز المنتدى الإقليمي على تبادل نتائج البحوث وبالأخصّ «نموذج البحث الاستراتيجي» (SRM). والأخير نموذج بحثي تشاركي طوّرته «الشبكة العربية للطفولة المبكّرة» وتعمل عليه مجموعة من الباحثين/ات في البلدان العربية بهدف وضع أهداف وسياسات ونماذج وطرائق لتطوير المعرفة في مجال الطفولة المبكّرة. وهو أداةٌ علميّة لربط البحث بالبرمجة والاستراتيجيات والسياسات، يدمج بين أنواع بحثيّة أخرى هي «نموذج البحث الإجرائي» و«البحث التشاركي المجتمعي»، وذلك بهدف الخروج بنتائج شاملة ومشتركة واستراتيجيّات كاملة، والتقديم لسياساتٍ فعّالة.

في التفكير بالنموذج، انطلقت «الشبكة العربية» من نقطة موحّدة هي تزايد الاهتمام بتنمية ورعاية وحماية وتربية الطفولة المبكّرة بصفتها مدخلًا لتحقيق «أهداف التنمية المستدامة»، وذلك بالاستناد إلى «النهج الشمولي التكاملي» خصوصًا خلال الأزمات المركّبة متعددّة الأبعاد. وشكّل غياب إطار بحثي موحّد للمبادرات والبرامج الوطنيّة المتعدّدة دافعًا إلى تفكير «الشبكة العربية» في كيفيّة إيجاد إطار يضمن التنسيق والتكامل في هذه المجالات، إلى جانب الحاجة إلى نموذج بحثي يعزّز إنتاج المعرفة ويضمن قابليّة الاستخدام عبر البرامج والاستراتيجيات والسياسات.

كما انبثقت فكرة النموذج من سلسلة لقاءاتٍ عقدتها «الشبكة العربية» طُرحت خلالها مجموعةُ أسئلة محوريّة حول كيفيّة دعم الأبحاث المتعلّقة بجوانب تنمية الطفولة المبكّرة وتنفيذها بما يشمل الأبعاد المعرفية والاجتماعية والعاطفية والجسدية. كما جرى النقاش حول الآليّات الملائمة لجمع البيانات المرتبطة بمؤشّرات هذه التنمية، مثل جودة التعليم والصحة وخدمات دعم الأسرة، إضافةً إلى سبل تقييم فعاليّة البرامج والتدخّلات القائمة لقياس أثرها على الأطفال وأسرهم. وتطرّقت النقاشات أيضًا إلى الاستراتيجيات الضرورية لبناء قدرات الباحثين/ات والممارسين/ات وصنّاع السياسات في مجال أبحاث وتقييم الطفولة المبكّرة. وقد تمّ التشديد على هذه النقطة بهدف تكريس العمل التشاركي وتعزيز الاستفادة المتبادلة. كما برزت الحاجة إلى تطوير منصّات لمشاركة نتائج الأبحاث والممارسات الفُضلى والدروس المستفادة مع أصحاب المصلحة وصنّاع القرار في البلدان العربية وخارجها، مع تأكيد أهمية إطلاق منصّات متخصّصة لجمع البيانات المتّصلة بالطفولة المبكّرة وتطويرها.

دليل سريع إلى «نموذج البحث الاستراتيجي»

ما هو؟

  • نموذج بحثي تشاركي طوّرته «الشبكة العربية».
  • تعمل عليه مجموعة من الباحثين/ات في البلدان العربية بهدف وضع أهداف وسياسات ونماذج وطرائق لتطوير المعرفة في مجال الطفولة المبكّرة.
  • أداةٌ علميّة لربط البحث بالبرمجة والاستراتيجيات والسياسات.

مرتكزاته:

  • تعزيز مكوّن البحث الموجّه إلى السياسات ودراسات التقويم في «الشبكة العربية».
  • الحاجة إلى نموذج بحثي يعزّز إنتاج المعرفة ويضمن قابليّة الاستخدام عبر البرامج والاستراتيجيات والسياسات.
  • آليّات جمع البيانات المرتبطة بمؤشّرات التنمية.
  • تطوير منصّات لمشاركة نتائج الأبحاث والممارسات الفُضلى والدروس المستفادة مع صنّاع القرار

أوّلًا: بين إنتاج المعرفة التأثير في السياسات
 منذ بدء العمل على «نموذج البحث الاستراتيجي»، أثبت الأخير أنّ له فوائد عدّة ومتنوّعة، على رأسها تطوير إطار بحثي إقليمي تشاركي يعكس أولويات الطفولة المبكّرة في السياقات العربية ويمكنه المساهمة في تطوير السياسات. كما يربط البحثَ بالأهداف التنظيمية والبرنامجية والأولويات الاستراتيجية، ويتيح جمعَ بيانات دقيقة بتكلفة منخفضة عبر المجموعات الوطنيّة، ويوفّر معلومات سريعة وفوريّة وداعمة لصنع السياسات وغير مشتَّتة بفعل البيروقراطية عبر الإدارات الرسمية.

ويُعتبر العمل الجماعي والتشاركيّة، على مستوى اختيار الموضوع والمنهجيّة وجمع البيانات، حجرَ الأساس لنموذج البحث، ما يُبرز قيمة التشاركيّة في البحوث. كما يشكّل النموذج مقاربةً شاملة تعزّز العمل في مجال تنمية الطفولة المبكّرة عبر إنتاج تقارير وطنيّة وإقليمية قابلة للتكرار والمقارنة، وإعداد موجزات سياسات تسهّل التنفيذ الفعّال، بالإضافة إلى دعم حملات المناصرة والتواصل.

من الفوائد أيضًا توفيرُ البحث أدوات أساسيّة لصنّاع القرار، مثل البيانات الحديثة القابلة للمقارنة، ومؤشرات أداة رئيسية (KPIs)، ومنصّات تشاركيّة لتبادل المعرفة، وكذلك آليّات تغذية راجعة مستمرّة من الميدان إلى السياسات. كما يتميّز بالتوافق الاستراتيجي مع أهداف المؤسسات، واعتماد تصميم تشاركي يدمج أصحاب المصلحة، مع مراعاة النوع الاجتماعي والفئات الضعيفة وذوي/ات الإعاقة، إضافةً إلى مرونته المنهجيّة وقدرته على التكيّف مع الأزمات والاتّجاهات الناشئة، ممّا يدعم الاستدامة ويجعل منه أداةً لبناء أنظمة طفولة مبكّرة أكثر عدالةً واستجابةً في البلدان العربية.

وعلى خلاف الدراسات التقليدية التي تركّز على جانب واحد من تنمية الطفل، يدمج نموذجُ البحث الأبعادَ المعرفية والاجتماعية والعاطفية والجسدية في دراسة واحدة، مع التركيز على الاستدامة والتأثير السياسي.

ولم يقتصر الأثر على الشقّ النظري، بل أسهم عمليًّا في تطوير السياسات من خلال توصياتٍ لتعديل قوانين حقوق الطفل في ستّ دول عربية، وأخرى لتحسين ظروف عمل المربّيات، وتبنّي سياسات داعمة للأطفال خلال الأزمات، وإدماج البُعد البيئي في استراتيجيّات الطفولة المبكّرة.

ثانيًا: نطاق البحث في النموذج الاستراتيجي 

تنطلق نماذج البحث الاستراتيجي من مجالات التدخّل الخمسة التي تعمل عليها «الشبكة العربية» وتغطّي مواضيعَها وهي حقوق الطفل، والقوى العاملة في الطفولة المبكّرة، والطفولة المبكّرة في الأزمات متعدّدة الأبعاد والسياقات الطارئة، والطفولة المبكّرة والتغيّر المناخي، والحماية والتمكين الرقمي للأطفال.

بناءً عليه، تشمل المواضيع قوانين وتشريعات حقوق الطفل في بلدان عربية عدّة ومتنوّعة السياقات، وأوضاع الأهل ومقدّمي/ات الرعاية أثناء الأزمات، ووعي الأهل لتأثيرات أزمة المناخ على الأطفال، وظروف العمل واحتياجات التطوير المهني للقوى العاملة في تنمية الطفولة المبكّرة.

 

  1. «حال الأهل ومقدّمي الرعاية في ستّة بلدان عربية خلال الأزمات» هي الأردن ولبنان وفلسطين ومصر وتونس والمغرب.
  1. «ظروف عمل المربّين والمربّيات في الحضانات ورياض الأطفال في سبعة بلدان عربية»، هي فلسطين والأردن ولبنان ومصر وتونس والمغرب وعُمان.
  2. «مراجعة قوانين وتشريعات حقوق الطفل في ستّ دول عربية» هي لبنان والأردن وفلسطين ومصر وتونس والمغرب.
  3. «معارف وممارسات الأهل ومقدّمي الرعاية بأثر أزمة تغيّر المناخ على الأطفال في ستّ دول عربية»، هي لبنان والأردن ومصر وعُمان وتونس والمغرب.
  4. «التطوّر المهني لدى مربّيات ومربّي التعليم المبكّر في دور الحضانة ورياض الأطفال» في سبع دول عربية»، هي مصر والأردن ولبنان وفلسطين وعُمان والمغرب وتونس.
  5. «مراجعة الاستراتيجيات الوطنية للطفولة المبكّرة ومدى مواءمتها مع أهداف التنمية المستدامة في ستّة بلدان عربية»، هي مصر والأردن ولبنان وفلسطين والمغرب وتونس. وهذا النموذج قيد التنفيذ.

يتجاوز نموذج البحث المواضيع المطروحة أعلاه، فمن خلال نهجه التشاركيّ الذي يشمل إشراك الشبكات الوطنيّة للطفولة المبكّرة والمجتمعات المحليّة وتمكينها، أظهر قدرةً على تسليط الضوء على الأزمات التي تواجهها الدول العربيّة في قطاع الطفولة المبكّرة ومعالجتها. على سبيل المثال، وفّر النموذج مساحة منظّمة لتحليل تأثير عدم الاستقرار السياسي والنزوح والصعوبات الاقتصاديّة على أنظمة الطفولة المبكّرة وسياساتها. ومن خلال البحوث الإقليميّة التعاونيّة وتبادلات الخبرات بين البلدان، أنتج النموذج رؤى عمليّة تُسهم في توجيه الاستجابات الوطنيّة وإصلاح السياسات خلال الأزمات. ويمكن توسيع النموذج ليشمل مواضيع أوسع، مثل التحدّيات الرقميّة في بحوث الطفولة، وتجريد الأطفال من طفولتهم، ووضع الأطفال ذوي الإعاقة وتحدّياتهم، وغيرها من القضايا المتعلّقة بحقوق الطفل، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصيّات الثقافيّة لكلّ منطقة وبلد.

القسم الثالث:
من البحث إلى السياسات

أوّلًا: أهمية البحوث في صياغة السياسات
بشكل عام، يُعتبر البحث أساسيًّا للسياسات كونه يوفّر أدلّةً يمكن أن توجّه عمليّة اتخاذ القرار وتضمن فعاليّة التدخّلات. ويمكّن البحث صانعي/ات السياسات من الفهم المنهجي والعلمي لما هو مطلوب في كلّ دولة وسياق، وإنتاج موجزات سياسية مبنيّة على الأدلّة لدعم اتّخاذ القرار. وهذا يحمل أهمية خاصّة في البلدان العربية التي تُجرى فيها البحوث لكنها غالبًا ما تفتقر إلى التوافق مع الحاجات والأولويّات الوطنية والأطر الاستراتيجية خصوصًا في قطاع الطفولة المبكّرة. من دون البحوث، تُبنى السياسات على افتراضاتٍ بدلًا من الحقائق والوقائع، ممّا قد يؤدّي إلى تخصيصٍ غير فعّال للموارد أو القيام بتدخّلاتٍ لا تلبّي الاحتياجات الفعليّة للأطفال والأسر والمجتمعات.

علاوةً على ذلك، يساعد البحث على تحديد الفجوات والاتّجاهات والقضايا الناشئة، ما يضمن أن تكون السياسات مستجيبةً للتحديات الأكثر إلحاحًا. كما يلعب البحث دورًا جوهريًّا في تعزيز المساءلة. ويُعدّ إدماج صوت المجتمع المحلّي، بما في ذلك وجهات نظر الأطفال، عنصرًا حاسمًا وضروريًّا للبحث المرتبط بالسياسة. وعندما تنعكس تجارب المجتمعات في البحوث، تصبح السياسات أكثر صلةً وملاءمةً على المستوى الثقافي وأكثر فعاليّةً على المستوى العملي. باختصار، يعمل البحث على تحويل المعرفة إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ، محوّلًا المعلومة القيّمة، والتي غالبًا ما تكون غير مستغَلّة، إلى تطبيقات عمليّة.

يساهم البحث كذلك في التخطيط الاستراتيجي للسياسات. ومن خلال تقديم بيانات حول الأولويات والاحتياجات وفعاليّة التدخّلات السابقة، يمكّن البحثُ صانعي/ات السياسات من توقّع التحدّيات واتّخاذ القرارات الملائمة. ويكتسب هذا أهميةً خاصةً في السياقات المعقّدة، مثل حالات الطوارئ، إذ يمكن للأدلّة الدقيقة توجيه التدخلات التي تؤثر مباشرة على وضع الأطفال الصغار. لذا، يعمل البحث المبني على الأدلّة بصفته جسرًا يربط بين فهم احتياجات المجتمع وتنفيذ السياسات الفعّالة، ممّا يضمن أن لا يكون اتّخاذ القرار مستندًا إلى المعلومات فحسب، بل استباقيًّا في أغلب الأحيان.

ثانيًا: استراتيجيات لتضمين البحوث في السياسة

يواجه العملُ البحثيّ عند ربطه بالسياسات الإشكاليّةَ الأساسيّةَ الآتية:
«ما الاستراتيجيات الأساسيّة لتضمين البحوث في السياسات؟» من أجل ضمان المساهمة الفعّالة للبحث في السياسة، من الضروري وضع أطر عمل تحدّد أصحابَ المصلحة والأولويّات الوطنيّة والاستراتيجيات القطاعيّة. يتطلّب توجيه البحث لتلبية احتياجات السياسات تنسيقًا مباشرًا، فالبحث قد يبقى بعيدًا من عمليات اتّخاذ القرار إذا لم يحصل التشبيك المناسب. ويُعتبر تعزيز التعاون بين صانعي/ات السياسات والباحثين/ات منذ انطلاقة العمل واحدًا من أهمّ الاستراتيجيات. وتساعد المنصّات التفاعليّة والحوار المستمرّ وفرص التطوير المهني المشترك في بناء فهم وثقة مشتركة، ما يزيد من احتمال استخدام البحث في صياغة السياسات.

ومن المهمّ كذلك ترجمة البحث إلى أدواتٍ قابلة للتنفيذ، مثل الموجزات السياسيّة وأدلّة الأدوات وإرشادات تطوير البرامج. وعلى هذه الأدوات أن تقدّم نتائجَ البحث بلغة واضحة وسهلة على صانعي/ات القرار لفهمها وتطبيقها. ويُعَدّ التكييف السياقيّ ضروريًّا، بمعنى أن تكون نتائجُ البحث ذات صلة بالظروف المحليّة والخصوصيّات الثقافيّة والواقع الاقتصادي. كما يمكن أن تساعد السرديات والقصص ودراسات الحالة، إلى جانب البيانات الكمية، في التأثير على صانعي/ات القرار، إذ تضيف عنصرًا بشريًّا يوضح الأثرَ الواقعي.

إلى ذلك، تُعتبر الاستراتيجيات متعدّدة القطاعات والمترابطة مفتاحًا أساسيًّا. وغالبًا ما تتلاقى السياسات مع مجالات متعدّدة مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، لذا من المهم أن يعكس البحثُ هذه الترابطات. ومن خلال تبنّي التفكير النّظُمي، يمكن لصانعي/ات السياسات ضمان أن يوجَّه البحثُ نحو حلول شاملة بدلاً من الغوص في التدخّلات المنفصلة والقطاعيّة.

في مجال تنمية الطفولة المبكّرة، يقوم التفكير النُّظمي على النظر إلى الصورة الكاملة بدلًا من التركيز على جزء واحد فقط من المشهد. إنه يساعدنا على فهم كيف ترتبط العوامل المختلفة، مثل السياسات الحكوميّة وتمويل المدارس وتدريب المعلّمين/ات وبيئة الطفل المنزليّة والقيم المجتمعيّة، ببعضها البعض وتؤثّر في بعضها الآخر. ويُظهر هذا النهج أنّ تحسين جودة التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة لا يمكن تحقيقه من خلال معالجة عنصر واحد بمعزل عن غيره، بل يتطلّب فهمًا شاملًا لكيفيّة عمل النظام بأكمله والتفاعل بين مكوّناته.

للمزيد حول التفكير النُّظمي:
https://ecdan.org/systems-masterclass/

القسم الرابع:

بين البحوث والسياسات في المنطقة العربية: المسارات والإمكانات

ندرك اليوم مدى أهمية السياسات المبنيّة على البحوث، والتي لا يمكن التقليل من تأثيرها، كما ندرك تمامًا الصعوبات الجمّة التي تواجه تحقيق هذا الهدف بشكل فعّال. في الإطار، حدّد المشاركون/ات والمندوبون/ات من البلدان العربيّة عددًا من الأساليب الفعّالة لترجمة نتائج البحوث إلى سياسات، من أبرزها:

  • إجراء تقييمات وطنية لتحديد الوضع الراهن والأولويات والفجوات في كلّ دولة، بصفتها خطوة أولى حاسمة. توفّر هذه التقييمات الأدلّة التي يمكن أن توجّه المناصرة المستهدفة وتحدّد المبادرات السياسية، وتسلّط الضوء على المناطق التي تتطلّب تدخّلات عاجلة.
  • إنشاء الشبكات الإقليمية ومنصّات التطوير المهني، ما يساهم في تعزيز صوت الباحثين/ات المحليّين/ات، وتمكين تبادل المعرفة والتعاون إقليميًّا وعالميًّا.
  • إشراك المجتمعات والأهالي والحكومات المحلية والمجتمع المدني ممّا يضمن أن يكون البحث مستندًا إلى الاحتياجات الفعلية على الأرض.
  • برامج التجريب والتدخلات الصغيرة أمر ضروري، فمن خلال عرض النتائج الملموسة- مثل تحسين جودة الخدمات أو إجراء تحليلات التكلفة والفائدة- يمكن للبحث تقديم أدلّة مقنعة لصانعي/ات السياسات من أجل تبنّي أساليب مماثلة على نطاقٍ أوسع.
  • الاستفادة من الشبكات المحليّة والإقليميّة، إلى جانب المنصّات العالمية، الأمر الذي يتيح التعلّم من الخبراء/ات وتبادل المعرفة بشكل أفقيّ، ويسمح بتوسيع الحلول المبتكرة مع احترام الاختلافات الثقافية والسياقية.
  • الحفاظ على التواصل المستمرّ بين الباحثين/ات وصانعي/ات السياسات والمجتمعات ما يُعَدّ أمرًا أساسيًّا لضمان عدم اقتصار البحث على الإعلام والإخبار، بل العمل على تقويم الممارسات وتمتينها بطريقة مستدامة ومبنيّة على الأدلّة.
  • من خلال اعتماد الاستراتيجيات أعلاه، يمكن للبلدان العربية تعزيز تأثير البحوث على السياسات، وضمان أن تكون التدخّلات فعّالة وذات صلة، وأن تستجيب لاحتياجات الأطفال والأسر والمجتمعات. بهذا المعنى، يصبح البحث المبنيّ على الأدلّة لا مجرّد أداةٍ لفهم الواقع، بل قوّة دافعة لسياسات عملية وواقعية وملائمة للسياق.

الخاتمة
لقد أكّد «المنتدى الإقليمي الأول حول بحوث الطفولة المبكّرة في أوقات الأزمات» أهمية البحوث المستندة إلى الأدلّة، مثل نموذج البحوث الاستراتيجية، في صياغة سياسات فعّالة للطفولة المبكّرة في المنطقة العربيّة. كما عزّز فكرةَ أنّ تحقيق تقدّم مستدام يعتمد على نهج التفكير النُّظمي الذي يربط بين السياسات التعليمية والصحيّة والحماية والاجتماعية.

مستقبلًا، يُعَدّ التعاون الإقليمي المستمرّ وترجمة نتائج البحوث إلى سياسات فعّالة أمرًا حيويًّا. ويدعو هذا المؤتمر بوضوح إلى اتّخاذ إجراءات عملية:
من أجل ضمان بناء أنظمة طفولة مبكّرة قوية وعادلة، يجب أن تستند السياسات المستقبلية إلى بحوث دقيقة تضع أصوات الأطفال وتجاربهم وسياقاتهم وكذلك مجتمعاتهم في قلب الاهتمام.

يمكنكم/نّ الاطّلاع على الموقع الخاص بالمنتدى هنا.

كما يمكنكم/نّ الاطّلاع على التغطية الخاصة بالمنتدى هنا.