ألقيت هذه الكلمة ضمن فعاليّات مؤتمر «واقع حقوق الطفل في أوقات الحرب والأزمات» والذي عُقد في «جامعة النجاح» بنابلس، الضفّة الغربيّة المحتلّة في 29- 30 نيسان/ أبريل 2025
كنّا نتمنّى لو أننا نجتمعُ اليوم لا لنناقش واقعَ حقوق الطفل في ظلّ الحروب والأزمات، بل لنناقشَ بزوغ فجر التعافي بعد الحرب، ونرسم ملامح مستقبل يستعيد فيه الأطفال طفولتهم المسلوبة.
لكنّنا، عوضًا عن ذلك، نقف مجددًا في ظلّ الدمار، مجبَرين على مواجهة الواقع الوحشي لحقوق الأطفال المهدورة تحت وطأة الحرب والأزمات المتعدّدة.
في كلّ مرّة تُفتح فيها نافذةُ أمل، تُغلقها أيادي القمع والعنف بقسوة.
وبينما تنوّعت جغرافيًّا بؤرُ الصراعات المتصاعدة في العالم بشكل غير مسبوق، سيذكر التاريخ عام 2024 على أنه الأكثر ظلامًا وقسوةً على الأطفال في معاناةٍ غير مسبوقة، وبأنّ الظلم والوحشية كانا الأكثر شراسةً في العالم العربي على المستويات كافّة:
قد تتغيّر الوجوه وتختلف المدن، لكنّ الانتهاكات الحقوقيّة الجسيمة والقياسيّة بحقّ الأطفال والعائلات تظلّ نفسها:
القتل والإصابة والتجويع والتهجير، وحرمان أطفال من التعليم والرعاية الصحية والحماية والكرامة.
ومع ذلك، إنْ وُجد مكان يجسّد هذا الرعب بأبهى صوره، فهو فلسطين. لقد تحمّل الأطفال الفلسطينيون ظلمًا لا مثيل له، وتعرّضوا إلى انتهاكات لا نظير لها في التاريخ الحديث.
أردْنا لمؤتمرنا هذا أن ينطلق من بوابة فلسطين، لأنه هنا تُنتهك الحقوق كلّها دفعة واحدة. وأمام هذه الحقيقة القاسية، يجب علينا تجاوز الاعتراف فقط والتوجّه نحو الفعل.
تحدّينا واضح:
علينا أن لا نكتفي بالحديث عن حقوق الطفل؛ بل يجب وضعها في سياقها التاريخي والجغرافي لإحياء الاتفاقيات والمعاهدات التي تحميهم هنا، وتدعيمها بآليات جديدة، والمطالبة بتطبيقها ومحاسبة من ينتهكها.
في غزّة والضفّة الغربيّة والسودان واليمن ولبنان، يُمَزَّق القانون الإنساني الدولي
International Human Rights law و«اتّفاقية جنيف الرابعة» لحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، يوميًّا، من دون محاسبة أو تبعات.
قانون كان يجب أن يكون درعًا للأبرياء، تحوّل إلى غبار:
لكن ماذا تبقّى من هذه القوانين؟ من هذه الحمايات؟ لا شيء. لقد دُهست تحت آلات الحرب التي لا تعرف حدودًا، وسُحقت تحت وطأة الإبادة الممنهجة.
اليوم، نجتمع ليس فقط للحزن، بل للمناداة والمطالبة بمحاسبة عالميّة:
لإحياء «اتفاقية حقوق الطفل» في أوقات الأزمات والمحاسبة على انتهاكها كضرورة ملزمة لتحقيق العدالة العالمية.
هذه ليست شكليات، وليست نقاشًا نظريًّا؛ بل هي الأساس الذي يجب أن نُعيد من خلاله بناء العدالة.
مهمّتنا واضحة:
الانتهاكات ليست نظريّة؛ بل تحدث الآن، في الزمن الحقيقي، كلّ يوم:
ومن أهداف مؤتمرنا هذا كذلك:
هل ينتهك لجوءُ الجيوش إلى الذكاء الاصطناعي لاختيار الأهداف العسكريّة حقوقَ الطفل، خصوصًا مع هوامش الخطأ الكبيرة التي تعتريه؟ وهذا ما شهدناه في الكثير من الحالات في الحرب على غزّة.
في مقاربتنا للنقاط أعلاه، ننطلقُ من كون حماية حقوق الأطفال في أوقات الحرب والأزمات حجرَ الأساس في القانون الدولي وضرورة عالميّة لتحقيق العدالة والمساواة.
وعليه، نسعى من خلال هذا اللّقاء إلى توحيد الأصواتِ العالميّة للدفاع عن حقوق الأطفال وتحقيق العدالة، وخلق أطرٍ مناسبة للعمل.
لا أبالغ في القول إنّنا نمرّ في أكثر المراحل تحدّيًا، منذ عقود، بصفتنا معنيّين ومعنيّات على نحو مباشر بقضايا تنمية ورعاية وحماية وتربية الطفولة المبكّرة.
صحيح أنّ الإنجازات كثيرة، غير أنّ العوائق الموجودة ضمن حقل عملنا في تزايد مضطرد، منها:
ومع ذلك، تمكّنت مؤسّسات ومنظّمات محلّيّة من سدّ، ولو القليل من هذه الفجوات، خصوصًا في فلسطين. وهذا ما نراه في لبنان أيضًا.
على مدى اليومين المقبلين، يجتمع هنا متخصّصون ومتخصّصات في قضايا الطفولة المبكّرة وجامعيّون وجامعيّات وممثّلون وممثّلات عن وزارات وعن المجتمع المدني وحقوقيون وحقوقيّات وغيرهم لمحاولة البناء على سلسلة من البرامج والمبادرات والمؤتمرات التي تعالج الأزمة العالميّة المتزايدة لاسترجاع حقوق أطفالنا.
ندرك كمّ التحدّيات، ولكن مع توحيد الجهود تتذلّل العقبات.
ولنفهم مرّة واحدة وللأبد بأنّ كلّ هذا لا يمكن أن يتحقّق بشكلٍ منفرد لكلّ فرد، أو جمعية، أو مؤسسة، أو منظّمة، ولا يمكن أن يكتمل من دون دعم الشركاء العالميّين الذين يشاركوننا هذا الموقف. ومثلما ولّى زمن التدخّلات القطاعيّة المنفصلة، ولّى زمن العمل الفردي والمنافسة على التمويل والشهرة.
لكن على الرغم من كلّ هذه الفظائع، لم تنطفئ شعلة الأمل، فهي تتّقد في صمود الآلاف ممّن نجوا، متجاوزين الصدمة والحزن، على الرغم من أنّهم يعيشون لا في «اضطراب ما بعد الصدمة»، بل في «ما بعد الإبادة الجماعيّة».
لذلك، نسعى من خلال هذا اللّقاء إلى توحيد الأصوات العالميّة للدفاع عن حقوق الأطفال وتحقيق العدالة، وخلق أطر مناسبة للعمل.
أملُنا أن نبني على كلّ ما سبق وأكثر، وأن نفهم التحدّيات الحاليّة وحجمَها، ونتعرّف عن كثب على مبادرات صمود قطاع الطفولة المبكّرة في فلسطين، ومشاركتُنا تجاربه.
والأهمّ، الحشد والتنسيق لمتابعة الحاجات العاجلة والطويلة الأمد للأطفال الفلسطينيّين والمسلوبة حقوقهم.
أملنا المستمرّ،
هو كيف نعلّم العالم من الآن فصاعدًا «روح روح» المثابرة والصمود في وجه الإبادة من أجل أطفالنا.
أملنا المستمرّ
هو في فلسطين، وفي سوريا ولبنان واليمن والسودان، وكلّ بقاع الأرض التي يعاني فيها الأطفال وعائلاتهم الظلم واللّاعدالة وعدم الإنصاف.
فلا سلام لأطفالنا من دون عدالة ومساواة ولا مستقبل لهم من دون حماية.
ليحصل أطفال فلسطين والسودان واليمن ولبنان على كامل حقوقهم الآن.
فالأرض المحروقة وحصار التجويع انتهاكٌ لـ«اتّفاقية حقوق الطفل».
الأمل يكمن في تطوير برامج جديدة وشاملة تعترف بما مرّ به هؤلاء الأطفال من ظروف لا سابق لها.
الأمل يكمن في الالتزام الثابت للمؤسسات والجامعات والمنظّمات التي ترفض أن تدير ظهرها والتي، على الرغم من القيود والعقبات، جمعتنا في هذا المؤتمر اليوم.
لذا، نعاهد أنفسنا:
لقد جئنا إلى هنا من أجل العدالة، والحماية، والحقوق الكاملة لأطفالنا الآن،
وليس لاحقًا.
لأنه، مجدّدًا، لا سلام من دون عدالة ولا مستقبل من دون سلام
ما استطعنا إلى ذلك سبيلا….
يمكنكم/نّ الاطلاع على تفاصيل المؤتمر هنا.
الورقة المفاهيمية.